مع إقتراب موعد الدورة رقم 30 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان – مقره مدينة جنيف السويسرية – والمقرر لها سبتمبر القادم ، تتوقع العديد من المنظمات و المصادر ومراكز الرصد والمتابعات الناشطة في مجال حقوق الإنسان ان تواجه حكومة السودان متاعب جمة جديدة في مجلس حقوق الإنسان بعد تقديم الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الانسان في السودان ارستيد نونوسي لتقريره الشامل امام المجلس ، التوقعات قد ترقي الي تصاعد المطالب بإرجاع المجلس للسودان الي البند الرابع من الإجراءات الخاصة من قانون المجلس وهو بند يسمح بإخضاع حكومة السودان واجهزتها المختصة الي رقابة لصيقة جداً من المجلس توازي حجم الانتهاكات المرصودة ، التقرير أدناه يبحث في أسباب تدهور علاقة حكومة السودان بالمجلس بعد ان شهدت تحسناً نسبياً وما إذا كانت هنالك جهات مستفيدة من هذه الوضعية الحرجة .
في سبتمبر من العام الماضي وفي دورته بالرقم 27صدر قرار من المجلس الدولي لحقوق الإنسان قضي بتجديد مهمة الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الانسان في السودان – مستعيضاً عن مشهود بدرين بالخبير أرستيد نونوسي -وإخضاع حكومة السودان لإجراءات قانون المجلس تحت البند العاشر الذي يسمح للمجلس بإيفاد خبير مستقل للقيام بمهام جمع المعلومات والتشاور مع الجهات ذات الصلة وتقديم الدعم التقني لحكومة السودان فيما يلي رفع قدرات اجهزتها المعنية لجهة تحسين حالة حقوق الإنسان بالبلد ، وجاء نص القرار تحت عناون المساعدة التقنية وبناء القدرات والذي قدمته إثيوبيا (باسم مجموعة الدول الأفريقية) مشروع قرار…/٢٧ تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات من أجل مواصلة تحسين حالة حقوق الإنسان في السودان) .
وكان المجلس قد اتخذ قراره المشار اليه بعد تعثر محاولات مستميتة قادتها الولايات المتحدة الاميركية وبعض دول الاتحاد الاوربي مثل النرويج وبريطانيا وبدفع وبتشجيع من بعض المنظمات الدولية ذات الصفة الاستشارية بالمجلس حيث دفعت هذه الدول الي منضدة المجلس بمشروع قرار يدين حكومة السودان علي خلفية ما وصفتها بانها انتهاكات واسعة ارتكبتها خلال العامين 2013 و2014 ضد المدنيين في مناطق النزاعات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق إضافة الي ما تردد عن قتل اكثر من 200 متظاهر في العاصمة الخرطوم وبعض المدن السودانية علي خلفية احتجاجات اندلعت ضد زيادة السلطات اسعار المحروقات عوضاً عن العديد من الانتهاكات التي وردت في تقرير مشهود بدرين الخبير المستقل السابق الذي انتهت مهمته في سبتمبر الماضي ، وأوصي بدرين في ذلك التقرير الحكومة السودانية بسرعة وضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة للتصدي لتحديات حقوق الإنسان العالقة المحددة في التقرير، والتي شملت حرية التظاهر والتجمع السلمي ، وحرية الصحافة والتعبير ، والرقابة علي الصحف ووسائل الإعلام، وحرية الدين والمعتقد، ووقف الضربات الجوية علي المدنيين في جنوب كردفان ودارفور، الإعتقال التعسفي للنشطاء السياسيين، والوصول لحل سلمي للأزمة السياسية، وإلغاء قانون الأمن الوطني لسنة 2010م. وذلك لتحقيق التحسن المطلوب لحقوق الإنسان على أرض الواقع.
ولعل أهم ما ورد في تقرير بدرين امام المجلس الدولي في 2013 هو الفقرة الخاصة بما سماه التقرير انتهاك حكومة السودان لحرية الدين والمعتقد ، هذه الفقرة مقارنة بما تضمنه قرار البرلمان الاوربي الصادر امس الاول ، تعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير واضحت تهدد بإرجاع السودان الي البند الرابع دون اعتراض اي دولة عضو وهو ما يخشاه المراقبون خصوصاً وان البرلمان الاوربي اصدر فى 9 يوليو الجاري قراراً قضي بإدانة حكومة السودان علي خلفية محاكمة اثنين من القساوسة المسيحيين قال القرار انهما كانا يدافعان عن ممتلكات كنسية مسيحية ، كما ادان قرار البرلمان الاوربي محاكمة وجلد عشرة من الفتيات المسيحيات المتهمات بارتداء ملابس غير محتشمة وتنفيذ عقوبة الجلد على أعضاء من حزب المؤتمر السوداني في السادس من يوليو الجاري منهم مستور احمد محمد نائب رئيس الحزب ، وقد جاء قرار البرلمان الاوربي مستنداً الي حيثيات عديدة منها القرارات الصادرة من المجلس الدولي لحقوق الانسان وتاريخ حكومة السودان الحافل بشتي انواع واشكال الانتهاكات خصوصاً ما يري البرلمان انها انتهاكات تستهدف حرية الدين والمعتقد وتستهدف المسيحيين بشكل صريح وبما يتنافي مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية الحاضة علي رعاية حقوق الاديان ، ولم ينسي قرار البرلمان الاوربي في خواتيمه ان يدعو حكومة السودان الي إصلاح نظامها القانوني ليتسق مع التعهدات والمواثيق الدولية ، واعرب بيان البرلمان الاوربي عن دعمه للجهود التي تبذل لا سيما من خلال الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ودول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) للوصول إلى حل تفاوضي للوضع في السودان ودعم جهود المجتمع المدني و أحزاب المعارضة للترويج لعملية سلام شاملة عبر حوار لا يستثني احد .
وبحسب البيانات التي اصدرتها العديد من الاحزاب والقوي السياسية وهي تندد بعقوبة الجلد التي نفذتها السلطات بحق عدد من قيادات حزب المؤتمر السوداني بزعامة ابراهيم الشيخ فإن تنفيذ السلطات لعقوبة الجلد بحق النشطاء السياسيين هي عقوبة لم يشهدها التاريخ المعاصر في الممارسة السياسية وتعتبر بنظر الخبراء والمختصين في مجال حقوق الانسان انتهاك صريح لابسط الحقوق السياسية والمدنية للضحايا وهي عقوبة تدلل علي ان اوضاع حقوق الإنسان بالبلد لم تشهد اي تحسن عكس ما ظلت تروج له السلطات السودانية وعلي راسها وزارة العدل وبعض المجموعات والمنظمات المحسوبة علي انها منظمات شبه حكومية وهو الوضع الذي يطرح تساؤلات منطقية عن جدية حكومة السودان في إنتشال اسم السودان من مستنقع الادانات المستمر من قبل المجلس الدولي لحقوق الانسان وما إذا كانت هنالك جهات تشكل تصرفاتها وقوانينها الخاصة تهديداً مباشراً لحقوق الانسان وتوفر ارضية لمطالبات بعض اعضاء المجلس الدائمين وممثلي المنظمات الدولية ذات الوضعية الاستشارية بارجاع السودان الي البند الرابع من قانون المجلس .